يان فان إيك (1390-1441)
ولد يان فان إيك Jean Van Eyck في مدينة ماسيك Maaseik وتوفي في مدينة بروج Bruges. ولايذكر المؤرخون تفصيلاً عن طفولته، ولا عن دراسته الفن التشكيلي، إذ لم يعرف عنه أي شئ إلا حين اتصل ببلاط جان البافاري Jean de Baviere كونت هولندة، وعمل في لاهاي في المدة مابين 1422- 1424. وحين توفي الكونت الهولندي، انتقل إلى بلاط الدوق فيليب الطيب في مدينة ليل Lille، الذي كلفه عدة مهام دبلوماسية مابين 1426 و1429 في إسبانية والبرتغال بغرض إتمام زواج فيليب الطيب من إيزابيل البرتغالية.
انتقل يان في عام 1430 إلى مدينة بروج وعاش فيها حتى وفاته. وفي هذه المدينة صور أفضل أعماله، وصار ثرياً ومعروفاً. وتدل لوحاته الأولى على معرفته الواسعة بفن القرون الوسطى، واطلاعه على الصيغ الفنية التي كانت سائدة. وقد ساعدته هذه المعرفة على تقديم الموضوعات الدينية. فرسم اللوحات الزيتية الكبيرة، والمنمنمات التي زينت الكتب الدينية. وبينها كتاب «صلوات ميلانو ـ تورينو» Heures de Milan-Turin. وفي هذا الكتاب مجموعة من الرسوم المنمنمة التي تصور القصص الدينية المأخوذة من الكتاب المقدس، وقد عالجها بأسلوب يتماشى مع الرسوم السائدة في القرون الوسطى، ولهذه الرسوم أهمية كبيرة لأنها تقدم فكرة عن أسلوب يان فان إيك في المرحلة الأولى من إنتاجه. وبين أعماله الزيتية الأولى لوحتان كبيرتان في كاتدرائية سان بافون Saint Bavon في مدينة غاند Gand وقد رسمتا بطريقة تقليدية، وتضمن كل منهما عدداً من المشاهد جمعت معاً في لوحة واحدة، (لوحة متعددة المشاهد ـ Polyptyque)، وهذا النمط من اللوحات معروف في الكنائس، وغالباً مايزين المذابح فيها.
تضم اللوحة الأولى اثني عشر مشهداً، رسمت على الخشب، وبمساحة 350×461 سم، وقد نفذت في المدة مابين 1427و1429، وكان قد بدأها شقيقه الأكبر هوبرت وأتمها يان، وتضم اللوحة مشهداً كبيراً ومهماً يعرف باسم «عبادة الحمل الصوفي» L'adoration de L'agneau mystique، وقد أثارت اللوحة الاهتمام، وإعجاب النقاد والفنانين، لما قدمته من جانب إنساني مألوف في أسلوب يان فان إيك في اختياره الأشخاص من الحياة اليومية، ودراسة كل شخصية فيها دراسة فنية دقيقة، حتى صارت اللوحة سجلاً دقيقاً للمرحلة، وما تتضمنه من أفكار دينية، وراصداً لكل مظاهر ذلك العصر.
أما اللوحة الثانية وهي تتألف من ثمانية مشاهد فقد رسمت عام 1432 بمساحة 350×223سم، ويظهر فيها التطور الذي حققه يان إيك، إذ ازدادت لوحاته متانة وقوة، وبرزت الكتل والحجوم في صور الأشخاص بوضوح تام، لكن تجربته لم تحقق أفضل نتائجها إلا في لوحاته الخاصة بالصور الشخصية التي عالجت البعد النفسي للشخصيات، والشفافية اللونية والدقة الواقعية. ومن أهم هذه الصور: «رجل يرتدي عمامة»، (عام 1433) و«الزوجان أرنولفيني»،(1434) و«الكاردينال نيكولا البرغاتي» (1430) وزوجته «مارغريت فان إيك» (1439).
وقد قدّم إيك أروع تعبير فني في لوحته «الزوجان أرنولفيني» التي جمعت الصياغة الفنية المتكاملة مازجة بين الواقعية ـ الطبيعية في التفاصيل، والشفافية اللونية، والعمق الداخلي للشخصين. وأرنولفيني شخصية من الطبقة البرجوازية وصاحب مصرف إيطالي ارتبط الفنان بعلاقة وطيدة معه. وقد حققت اللوحة بموضوعها وأسلوبها، التعبير عن التطور الاجتماعي الذي حصل مِن صعود طبقة من الأثرياء في المدن التجارية المزدهرة، وتحوُّل الفن إلى تصوير هذه الطبقة بدلاً من تصوير الشخصيات الأرستقراطية والدينية. وتظهر مهارة إيك في إبراز المضمون الأساسي للوحة عن طريق الرموز المختلفة، والحركات ذات الدلالات: فقد عبر عن عمق العلاقة بين الزوجين عن طريق تلاقي يد الزوج بيد الزوجة في وسط اللوحة، وحرك اليد الأخرى للزوجة ليعبر عن حرصها على جنينها، أما يد الزوج الثانية فقد اتجهت نحو الأعلى، لتؤكد الجانب الروحاني في شخصية أرنولفيني.
وتظهر في اللوحة العناية بكل ماهو موجود في الغرفة، (المرآة الدائرية ـ الحذاء ـ القبعة ـ الأثاث ـ الكلب ـ النافذة المفتوحة) وقد أضاف إليها إيك الرموز ذات الدلالة، لإعطاء المشاهد فكرة واضحة عن العلاقة الوطيدة التي تربط الزوجين برباط موحد، وللدلالة على الوفاء، والحياة الرغيدة التي يعيشها أبناء هذه الطبقة.
واللوحات الدينية التي صورها تقدم خصائص أسلوبه مضافاً إليها الجانب الديني والجانب الإنساني في هذه الشخصيات: مثل «العذراء الموجودة في أوتون» (1439) و«البشارة» (1435) و«العذراء مع كاهن فان ديربال» (1436). وتظهر في هذه اللوحات رؤية جديدة للشخصيات الدينية، وفيها يتخلى الفنان عن الهالة المقدسة التي تحيط بالشخصيات مما عرفه الفن في القرون الوسطى، وعن المثالية في تصوير هذه الشخصيات، وذلك من أجل أساليب فنية أقرب إلى فن الطبقة الجديدة الصاعدة ويشعر المشاهد بأن الروح العلمية والتجريبية التي سادت هذه الحقبة قد انتقلت إليه، وإلى أعماله، ولهذا اتجه إلى التجارب التقنية التي ساعدته على تطوير استعمال الألوان الزيتية، ليجعلها أكثر قدرة على التلاؤم مع روح العصر ومتطلباته.
يقول فازاري، مؤرخ عصر النهضة الإيطالي، إن يان فان إيك هو مبتكر التصوير الزيتي، وأول من صور بهذه الألوان. لكن الدراسات العلمية الحديثة ذهبت إلى القول بوجود فنانين سبقوه في استخدامها، على أنه تميز بتغلبه على عدد من المصاعب التي تعوق استخدامها، ولعل أهمها بطء جفاف هذه الألوان، فلجأ إلى الراتنج ليساعده على تحقيق ذلك، كما جعل اللون شافاً باستخدام الزيوت العطرية، مثل عطر اللاوند وزيت التربنتين، واستخدم الزيوت التي تُسرّع جفاف الألوان مثل زيت الجوز وزيت بذر الكتان.
وصارت طريقته في استخدام الألوان الزيتية معروفة على نطاق واسع في الدراسات التقنية للتصوير الزيتي باسم «طريقة الأخوين فان إيك» وهذه الطريقة تختلف عن تقنيات الفن الإيطالي آنذاك، وقد أثرت في تجارب الفن الفلمنكي كله في تلك المرحلة.
جمع إيك بين الفن والعلم، واستفاد من المعارف العلمية والكيميائية في عصره، من أجل الوصول إلى تحقيق هدف رئيسي، وهو جعل اللوحة الزيتية قادرة على الحلول محل الصور الجدارية التي كانت ترسم على الجدران، وهكذا صار بالإمكان نقلها لتعلق في البيوت، وأن تكون ملكاً شخصياً للأفراد، وقابلة للانتقال من مالك إلى آخر.
إن كل ما ذكر يدل على مكانة إيك وتأثيره الكبير في فن القرون الوسطى، وأثره في التجارب الفنية التي تلت هذه المرحلة، إذ مهد الطريق أمام التحولات الكبيرة التي عرفها الفن في عصر النهضة الإيطالي، ولهذا وصف بأنه فنان سابق لعصره، سواء في أسلوبه «الواقعي ـ الطبيعي» أم في المضمون الإنساني لأعماله، أو في «التقنية» التي قدمها للفن التشكيلي.
ولد يان فان إيك Jean Van Eyck في مدينة ماسيك Maaseik وتوفي في مدينة بروج Bruges. ولايذكر المؤرخون تفصيلاً عن طفولته، ولا عن دراسته الفن التشكيلي، إذ لم يعرف عنه أي شئ إلا حين اتصل ببلاط جان البافاري Jean de Baviere كونت هولندة، وعمل في لاهاي في المدة مابين 1422- 1424. وحين توفي الكونت الهولندي، انتقل إلى بلاط الدوق فيليب الطيب في مدينة ليل Lille، الذي كلفه عدة مهام دبلوماسية مابين 1426 و1429 في إسبانية والبرتغال بغرض إتمام زواج فيليب الطيب من إيزابيل البرتغالية.
انتقل يان في عام 1430 إلى مدينة بروج وعاش فيها حتى وفاته. وفي هذه المدينة صور أفضل أعماله، وصار ثرياً ومعروفاً. وتدل لوحاته الأولى على معرفته الواسعة بفن القرون الوسطى، واطلاعه على الصيغ الفنية التي كانت سائدة. وقد ساعدته هذه المعرفة على تقديم الموضوعات الدينية. فرسم اللوحات الزيتية الكبيرة، والمنمنمات التي زينت الكتب الدينية. وبينها كتاب «صلوات ميلانو ـ تورينو» Heures de Milan-Turin. وفي هذا الكتاب مجموعة من الرسوم المنمنمة التي تصور القصص الدينية المأخوذة من الكتاب المقدس، وقد عالجها بأسلوب يتماشى مع الرسوم السائدة في القرون الوسطى، ولهذه الرسوم أهمية كبيرة لأنها تقدم فكرة عن أسلوب يان فان إيك في المرحلة الأولى من إنتاجه. وبين أعماله الزيتية الأولى لوحتان كبيرتان في كاتدرائية سان بافون Saint Bavon في مدينة غاند Gand وقد رسمتا بطريقة تقليدية، وتضمن كل منهما عدداً من المشاهد جمعت معاً في لوحة واحدة، (لوحة متعددة المشاهد ـ Polyptyque)، وهذا النمط من اللوحات معروف في الكنائس، وغالباً مايزين المذابح فيها.
تضم اللوحة الأولى اثني عشر مشهداً، رسمت على الخشب، وبمساحة 350×461 سم، وقد نفذت في المدة مابين 1427و1429، وكان قد بدأها شقيقه الأكبر هوبرت وأتمها يان، وتضم اللوحة مشهداً كبيراً ومهماً يعرف باسم «عبادة الحمل الصوفي» L'adoration de L'agneau mystique، وقد أثارت اللوحة الاهتمام، وإعجاب النقاد والفنانين، لما قدمته من جانب إنساني مألوف في أسلوب يان فان إيك في اختياره الأشخاص من الحياة اليومية، ودراسة كل شخصية فيها دراسة فنية دقيقة، حتى صارت اللوحة سجلاً دقيقاً للمرحلة، وما تتضمنه من أفكار دينية، وراصداً لكل مظاهر ذلك العصر.
أما اللوحة الثانية وهي تتألف من ثمانية مشاهد فقد رسمت عام 1432 بمساحة 350×223سم، ويظهر فيها التطور الذي حققه يان إيك، إذ ازدادت لوحاته متانة وقوة، وبرزت الكتل والحجوم في صور الأشخاص بوضوح تام، لكن تجربته لم تحقق أفضل نتائجها إلا في لوحاته الخاصة بالصور الشخصية التي عالجت البعد النفسي للشخصيات، والشفافية اللونية والدقة الواقعية. ومن أهم هذه الصور: «رجل يرتدي عمامة»، (عام 1433) و«الزوجان أرنولفيني»،(1434) و«الكاردينال نيكولا البرغاتي» (1430) وزوجته «مارغريت فان إيك» (1439).
وقد قدّم إيك أروع تعبير فني في لوحته «الزوجان أرنولفيني» التي جمعت الصياغة الفنية المتكاملة مازجة بين الواقعية ـ الطبيعية في التفاصيل، والشفافية اللونية، والعمق الداخلي للشخصين. وأرنولفيني شخصية من الطبقة البرجوازية وصاحب مصرف إيطالي ارتبط الفنان بعلاقة وطيدة معه. وقد حققت اللوحة بموضوعها وأسلوبها، التعبير عن التطور الاجتماعي الذي حصل مِن صعود طبقة من الأثرياء في المدن التجارية المزدهرة، وتحوُّل الفن إلى تصوير هذه الطبقة بدلاً من تصوير الشخصيات الأرستقراطية والدينية. وتظهر مهارة إيك في إبراز المضمون الأساسي للوحة عن طريق الرموز المختلفة، والحركات ذات الدلالات: فقد عبر عن عمق العلاقة بين الزوجين عن طريق تلاقي يد الزوج بيد الزوجة في وسط اللوحة، وحرك اليد الأخرى للزوجة ليعبر عن حرصها على جنينها، أما يد الزوج الثانية فقد اتجهت نحو الأعلى، لتؤكد الجانب الروحاني في شخصية أرنولفيني.
وتظهر في اللوحة العناية بكل ماهو موجود في الغرفة، (المرآة الدائرية ـ الحذاء ـ القبعة ـ الأثاث ـ الكلب ـ النافذة المفتوحة) وقد أضاف إليها إيك الرموز ذات الدلالة، لإعطاء المشاهد فكرة واضحة عن العلاقة الوطيدة التي تربط الزوجين برباط موحد، وللدلالة على الوفاء، والحياة الرغيدة التي يعيشها أبناء هذه الطبقة.
واللوحات الدينية التي صورها تقدم خصائص أسلوبه مضافاً إليها الجانب الديني والجانب الإنساني في هذه الشخصيات: مثل «العذراء الموجودة في أوتون» (1439) و«البشارة» (1435) و«العذراء مع كاهن فان ديربال» (1436). وتظهر في هذه اللوحات رؤية جديدة للشخصيات الدينية، وفيها يتخلى الفنان عن الهالة المقدسة التي تحيط بالشخصيات مما عرفه الفن في القرون الوسطى، وعن المثالية في تصوير هذه الشخصيات، وذلك من أجل أساليب فنية أقرب إلى فن الطبقة الجديدة الصاعدة ويشعر المشاهد بأن الروح العلمية والتجريبية التي سادت هذه الحقبة قد انتقلت إليه، وإلى أعماله، ولهذا اتجه إلى التجارب التقنية التي ساعدته على تطوير استعمال الألوان الزيتية، ليجعلها أكثر قدرة على التلاؤم مع روح العصر ومتطلباته.
يقول فازاري، مؤرخ عصر النهضة الإيطالي، إن يان فان إيك هو مبتكر التصوير الزيتي، وأول من صور بهذه الألوان. لكن الدراسات العلمية الحديثة ذهبت إلى القول بوجود فنانين سبقوه في استخدامها، على أنه تميز بتغلبه على عدد من المصاعب التي تعوق استخدامها، ولعل أهمها بطء جفاف هذه الألوان، فلجأ إلى الراتنج ليساعده على تحقيق ذلك، كما جعل اللون شافاً باستخدام الزيوت العطرية، مثل عطر اللاوند وزيت التربنتين، واستخدم الزيوت التي تُسرّع جفاف الألوان مثل زيت الجوز وزيت بذر الكتان.
وصارت طريقته في استخدام الألوان الزيتية معروفة على نطاق واسع في الدراسات التقنية للتصوير الزيتي باسم «طريقة الأخوين فان إيك» وهذه الطريقة تختلف عن تقنيات الفن الإيطالي آنذاك، وقد أثرت في تجارب الفن الفلمنكي كله في تلك المرحلة.
جمع إيك بين الفن والعلم، واستفاد من المعارف العلمية والكيميائية في عصره، من أجل الوصول إلى تحقيق هدف رئيسي، وهو جعل اللوحة الزيتية قادرة على الحلول محل الصور الجدارية التي كانت ترسم على الجدران، وهكذا صار بالإمكان نقلها لتعلق في البيوت، وأن تكون ملكاً شخصياً للأفراد، وقابلة للانتقال من مالك إلى آخر.
إن كل ما ذكر يدل على مكانة إيك وتأثيره الكبير في فن القرون الوسطى، وأثره في التجارب الفنية التي تلت هذه المرحلة، إذ مهد الطريق أمام التحولات الكبيرة التي عرفها الفن في عصر النهضة الإيطالي، ولهذا وصف بأنه فنان سابق لعصره، سواء في أسلوبه «الواقعي ـ الطبيعي» أم في المضمون الإنساني لأعماله، أو في «التقنية» التي قدمها للفن التشكيلي.
عدل سابقا من قبل الحمزاوي في السبت فبراير 06, 2010 6:02 pm عدل 2 مرات (السبب : ؟؟؟ ما أدري ؟؟؟)