يعتبر فاسيلي كاندينسكي علما من أعلام الفن المعاصر البارزين, ورائدا من رواد حركاته الفنية . وزعيما لهيئات فنية مختلفة .. ورغما من أنه من روسيا بحكم مولده ( حيث ولد فب بموسكو عام 1866 وكان مسقط رأس والده بسيبريا المتاخمة للحدود الصينية ) إلا أن شخصيته الفنية وشهرته كمصدر ، قد أحرزها خارج بلاده . حيث تقلب فى شتى الأقطار الأوربية .. إلا أن البلد التى تدعمت فيها مكانته ، ونما فيها فنه ، هى مدينة ميونيخ الألمانية ، ذلك أن كاندينسكى بدأ دراسته فب أوديسا .. وبعد ذلك درس القانون والإقتصاد السياسي بموسكو .. وكان أول باعث من البواعث الهامة في حياته كلها فيما بعد , أنه في العام 1889 كان عضوا في بعثة علمية مهمتها دراسة العادات والتقاليد السائدة بين جماعة الفلاحين في المقاطعات الشمالية, حيث أخذته الروعة بما بدأ له من الزخارف الداخلية لمنازل القرويين في تلك الجهات, ومن هنا كان الإنقلاب الضخم في حياته كما كان نقطة الإبتداء في إتجاهه نحو فن التصوير ... فقد فقد أعماله ودراسته لكي يكرس جهوده لدراسة الفن, حيث كانت مدينة ميونخ هي قبلته . وهناك عمل مع الفنان الألماني آزب كما أتيح له بعد ذلك التعرف على الوسط الفني بالمدينة, ففي استديو آزاب تقابل مع الفنان جولنسكي كما تعرف في أكاديمية ميونخ على الفنان فرانز شتوك. كما استطاع أن يتعرف على الإنتاج الفني للحركة الفرنسية, من خلال صور الفنانين الفرنسيين, التي كانت معروضة آنذاك في ميونخ ... وخاصة بعض أعمال الفنان التأثيري كلود مونيه.
إلا انه في العام 1902 كانت شخصيته كمصور قد تدعمت.. وحيث افتتح مدرسته الخاصة للرسم والتصوير .. كما اصبح رائدا لجماعة من الفنانين أطلق عليها اصطلاح ( فلانكس ) ثم قام بعد ذلك برحلة طويلة قضاها في هولاندا وإيطاليا وكان ذلك من عام 1904 إلى 1905 ثم استقر بعد ذلك في مدينة ( سيفر) بالقرب من باريس لمدة عام. وكان ذلك في العام 1906 حيث قام بعرض إنتاجه في التصوير بمعرض الخريف, إذ يتميز أسلوبه في هذه المرحلة التأثيرية باستخدام الجرآت الطويلة بالسكين وقد انتحى عقب ذلك اتجاهه البنائي, الذي تظهر فيه حيوية الطراز ( الوحشي ) الذي اتخذ موضوعاته من المناظر الطبيعية الحالمة والتي تعتبر ذات طابع خيالي أكثر منها واقعية.
وعند عودته إلى ميونخ في العام 1907 قضى وقتا بمدينة برلين حيث قام هناك بعرض أعماله في معرض جماعة ( بريكه ). وعندما استقر بمدينة ميونخ قام بتأسيس الرابطة الحديثة للفنانين .. وقد ظهلرت حينذاك بوادر إنتاجه في الطراز التجريدي, وكان ذلك في الأعوام 1909 و1910 حيث أطلق عليه اصطلاح ( الطراز غير المطابق) واستطاع أن يدعم ذلك بآرائه الفلسفية التي دونها عن الإتجاه الروحي في الفن الذي نشر فيما بعد وفي هذه المرحلة توطدت صلاته بشخصيات من بعض الفنانين الذين كان لهم شأن يذكر بالنسبة للحركة الفنيةفي المانيا ومنهم ( فرانك مارك ) و( بول كلي ) و ( أوجست مارك ) وحدد مع فرانك مارك مسؤولية جماعة الراكب الأزرق ( وقد اتخذت هذه التسمية من عنوان إحدى لوحاته ) ثم الكتاب الدوري الذي يشرح أهداف الحركة التي مثلت في معرضين أقيما في ديسمبر 1911 و1912 حيث كان فيهما تحديد الإتجاه الحديث للفن الألماني .
كما أن ظهور كاندنيسكي تمثل في اول انتاج عن الفن غير المحدد الشكل , وكذا التجريد بالألوان المائية حيث كان هذا الإنتاج نتيجة لتطور طويل يمكن لمس نتائجه في كتاب ( أضواء من الماضي ).
نظرية كاندنيسكي في العمل الفني :
في مقال صغير نشره كاندنيسكي في صحيفة المانية عام 1913 ( يشرح فيه نظريته في الفن ويقول فيه ما خلاصته ) :
- أن العمل الفني يتضمن عنصرين اساسين, العنصر الداخلي والخارجي أن العنصر الداخلي هو ( العاطفة الكامنة في روح الفنان ) وهذه العاطفة تملك مقدرة كبيرة لأنها تحرك العواطف المماثلة لدى المشاهد .
ان العواطف تثأر بالأشياء التي تحس بها لذا فالإحساسات هي ( الجسر ) وهي تشمل علاقة الأشياء اللامادية ( عواطف الفنان ) بالمادة ( العمل الفني ) وتشمل أيضا العلاقة بين العمل الفني ( المادة ) وبين الأشياء اللاماية ( عواطف المشاهد ) أو المتلقي .
وتكون هذه العلاقات مرتبة كما يلي :
عاطفة الفنان- الإحساس- العمل الفني – الإحساس – العاطفة عند المشاهد .
وحين تكون العاطفتان متشابهتين يمون العمل الفني ناجحا, أي أن العمل الفني الناجح هو الذي يكون في المشاهد عاطفة مماثلة لها في الفنان.
وإن تعريف العمل الفني يجب أن يسند على مقارنة واعية أو لا واعية بين الرسم والنحت والموسيقى لأن الموسيقى هي أول أنواع الفنون وأرقاها وكل الفنون تجنح نحو التشبه بها ومحاكاتها.وإن اللون والخط هما وسيلتا التعبير لدى الفنان التشكيلي ( عن العاطفة ) كما أن الموسيقى تعمل في الروح مباشرة, وهذه هي مهمة الشكل واللون عنده أن تهيء للتعبير عن ذات الفنان وتثير في ذات المشاهدنفس العواطف . وبقدر ما ينسجم الشكل مع اللون يعبر عن العالم الداخلي .
أما الجمال فهو التعبير الناجح عن علاقة الحاجة الداخلية للإنسان بالمعنى التعبيري الذي يترجم هذه الحاجة, ونلاحظ إلى أي مدى يرتبط هذا التفكير بالإتجاه التعبيري في الفن الذي تأثر به ( كاندينسكي ) في فترة كتابة المقال وهو يمثل المرحلة الثانية من تفكيره . ويختم ( كاندينسكي ) دراسته هذه بالتفريق بين ثلاثة مصادر أساسية للإلهام الفني :
أولا : الإنطباع المباشر بالطبيعة الخارجية ويسمى هذا باسم ( انطباع ).
ثانيا: اللاشعور أو التعبير الغريزي عن الحاجة الداخلية أو العالم اللامادي ويطلق على هذا اسم ( ارتجالات ) .
ثالثا: التعبير عن مشاعر ذاتية بطيئة وشكلية وهذا ما يسمى ( التكوين ) والشعور يلعب دورا هاما هنا , لكن عملية التجميع لا تظهر .ان كادينسكي بعد عام 1921 لم يعد يؤمن بوجود صلة عضوية حتمية بين العمل الفني والشعور أي بين العالم الذاتي والرمز المعبر عنه بل هناك عملية مراسلة ونقل وهكذا تحرر الرمز من ارتباطه بالعاطفة واصبح كاندنيسكي يشك بالاحساسات ( الجسر ) وبدأ يفرق بين ( العواطف الكامنة في الإنسان وبين القيم الرمزية المعبرة( الخط- اللون- النقطة ) التي هي ليست شخصية واصبح الرسم عنده في المرحلة الأخيرة عبارةعن لغة معبرة عالمية كالرياضيات يعبر بها الإنسان بمقدار ما يملك من إمكانيات تقنية .
ثم أن إن التعبير يجب أن ( يفر مما هو شخصي وغير محدد ) وهذه هي الوسيلة الوحيدة التي تجعل الفن مجردا بالمعنى الصحيح أن يصبح كالأرقام الرياضية وكالأحرف لا يرتبط بأصله الذي استمد منه .
درس فاسيلي كاندنسكي الحقوق والاقتصاد ثم علّم المادة الأولى في جامعة موسكو الى ان قرر ان ينعطف عندما بلغ الثلاثين في 1896. يشاهد أكوام القش في لوحة لكلود مونيه وبهر بألوانها وتركيبها، وتكثف نداء الفن عندما حضر أوبرا «لوهنغرين» لريتشارد فاغنر. أحب العاطفة التي تثيرها الموسيقى فينا حتى من دون أن نعرف موضوعها، ورأى ان على الرسم ان يكون تجريدياً مثلها. درس في برلين وتأثر منذ البداية بالحركات الطليعية كالفوفية التي تصالحت مع حبه الفن الروسي الشعبي. بدأ يصور ما يراه بلطخ ومساحات زاهية ناعمة ثم تحول عن الشكل لتتخذ أعماله الصورة الهندسية الشهيرة بألوانها الخافتة. يتوقف المعرض عند الأعمال التي حققها في 1921 عندما نفر من عقلانية الفن الروسي واتهم بالفردية والبورجوازية. ترك بلاده من دون رجعة هذه المرة. أولاً الى برلين حيث علّم في مدرسة الباهاوس الجديدة للفن والحرف، ثم الى باريس حتى وفاته في 1944 عن ثمانية وسبعين عاماً.
هجس الرومنطيقيون في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بالموسيقى وحاولوا تخطي حدود سائر الفنون للاقتراب منها. رأى غوته الهندسة «موسيقى مجمدة»، وقال كاندنسكي انه يستطيع «سماع» الألوان. ثمة من يستطيعون رؤية الموسيقى وسماع اللون وحتى تذوق الكلمات نظراً الى تداخل خطوط في الدماغ. وكان الفيلسوف الانكليزي جون لوك أول من كتب عن «سينيثيزيا» أو الإحساس المتزامن في 1690 عندما ادعى رجل أعمى أنه يرى اللون القرمزي كلما سمع البوق. كاندنسكي سمع فحيحاً وهو يخلط ألوان الرسم وهو طفل، وعندما أصبح عازف فيولونسيل بارعاً رأى لون الآلة الأزرق العميق. «اللون وسيلة التأثير المباشر في الروح» قال أبو التجريديين في نصه «عن الروحي في الفن» وهدف في لوحاته الى خلق عاطفة في المشاهد. أسره الأطفال والفنانون الذين تعلموا على أنفسهم بتعبيرهم الساذج الصريح عن الحياة الداخلية، وعندما بدأ مرحلة الفارس الأزرق التقى فنانون من المسرح والموسيقى والرسم والفولكلور حول هدف واحد: التعبير عن القيم الروحية في عملهم.
ملأ اللوحة بالألوان الزاهية القوية التي غطت القماش كله ولم تترك فسحة فراغ واحدة ثم اعتمد هذا عندما اتجه نحو الأشكال الهندسية من دون أن يتخلى عن بحثه عن صوت اللوحة الداخلي. باتت الألوان أقل إشراقاً وكثر ظهور الأسود بخطوط رفيعة أو كتل ثقيلة. رسم عالماً على وشك الانهيار قبل الحرب العالمية الأولى، وعندما أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا في صيف 1914 كان عليه أن يترك صديقته غابرييل مونتر ويعود الى بلاده. لعب دوراً بارزاً في المؤسسات الفنية في النظام البولشفي، وباتت لوحاته أبسط شكلاً وأكثر حدة. على ان الطليعة الفنية الروسية رفضت روحانية كاندنسكي ورمته بتهمة مضحكة سيألفها القرن العشرون: فردي وبورجوازي.
يستمر معرض «موديلياني ونماذجه» في الأكاديمية الملكية، لندن، حتى منتصف تشرين الأول (اكتوبر) وتسيطر عليه النساء اللواتي أحبهن الفنان الإيطالي أو ارتبط بصداقة معهن. تواكب المعرض سيرة جديدة لجفري مايرز صدرت عن دار داكوورث تفصل مجدداً حياة الفنان الذي جعله موته في 1920 عن خمس وثلاثين سنة نجماً حلت أعماله فجأة في أعين الشارين. أتى من أسرة يهودية من الطبقة الوسطى العليا وقصد باريس عندما كان في الثانية والعشرين. ارتبط بنساء كثيرات بينهن جان ايبوترن التي انتحرت بعد وفاته والشاعرة الروسية آنا أخماتوفا.
إلا انه في العام 1902 كانت شخصيته كمصور قد تدعمت.. وحيث افتتح مدرسته الخاصة للرسم والتصوير .. كما اصبح رائدا لجماعة من الفنانين أطلق عليها اصطلاح ( فلانكس ) ثم قام بعد ذلك برحلة طويلة قضاها في هولاندا وإيطاليا وكان ذلك من عام 1904 إلى 1905 ثم استقر بعد ذلك في مدينة ( سيفر) بالقرب من باريس لمدة عام. وكان ذلك في العام 1906 حيث قام بعرض إنتاجه في التصوير بمعرض الخريف, إذ يتميز أسلوبه في هذه المرحلة التأثيرية باستخدام الجرآت الطويلة بالسكين وقد انتحى عقب ذلك اتجاهه البنائي, الذي تظهر فيه حيوية الطراز ( الوحشي ) الذي اتخذ موضوعاته من المناظر الطبيعية الحالمة والتي تعتبر ذات طابع خيالي أكثر منها واقعية.
وعند عودته إلى ميونخ في العام 1907 قضى وقتا بمدينة برلين حيث قام هناك بعرض أعماله في معرض جماعة ( بريكه ). وعندما استقر بمدينة ميونخ قام بتأسيس الرابطة الحديثة للفنانين .. وقد ظهلرت حينذاك بوادر إنتاجه في الطراز التجريدي, وكان ذلك في الأعوام 1909 و1910 حيث أطلق عليه اصطلاح ( الطراز غير المطابق) واستطاع أن يدعم ذلك بآرائه الفلسفية التي دونها عن الإتجاه الروحي في الفن الذي نشر فيما بعد وفي هذه المرحلة توطدت صلاته بشخصيات من بعض الفنانين الذين كان لهم شأن يذكر بالنسبة للحركة الفنيةفي المانيا ومنهم ( فرانك مارك ) و( بول كلي ) و ( أوجست مارك ) وحدد مع فرانك مارك مسؤولية جماعة الراكب الأزرق ( وقد اتخذت هذه التسمية من عنوان إحدى لوحاته ) ثم الكتاب الدوري الذي يشرح أهداف الحركة التي مثلت في معرضين أقيما في ديسمبر 1911 و1912 حيث كان فيهما تحديد الإتجاه الحديث للفن الألماني .
كما أن ظهور كاندنيسكي تمثل في اول انتاج عن الفن غير المحدد الشكل , وكذا التجريد بالألوان المائية حيث كان هذا الإنتاج نتيجة لتطور طويل يمكن لمس نتائجه في كتاب ( أضواء من الماضي ).
نظرية كاندنيسكي في العمل الفني :
في مقال صغير نشره كاندنيسكي في صحيفة المانية عام 1913 ( يشرح فيه نظريته في الفن ويقول فيه ما خلاصته ) :
- أن العمل الفني يتضمن عنصرين اساسين, العنصر الداخلي والخارجي أن العنصر الداخلي هو ( العاطفة الكامنة في روح الفنان ) وهذه العاطفة تملك مقدرة كبيرة لأنها تحرك العواطف المماثلة لدى المشاهد .
ان العواطف تثأر بالأشياء التي تحس بها لذا فالإحساسات هي ( الجسر ) وهي تشمل علاقة الأشياء اللامادية ( عواطف الفنان ) بالمادة ( العمل الفني ) وتشمل أيضا العلاقة بين العمل الفني ( المادة ) وبين الأشياء اللاماية ( عواطف المشاهد ) أو المتلقي .
وتكون هذه العلاقات مرتبة كما يلي :
عاطفة الفنان- الإحساس- العمل الفني – الإحساس – العاطفة عند المشاهد .
وحين تكون العاطفتان متشابهتين يمون العمل الفني ناجحا, أي أن العمل الفني الناجح هو الذي يكون في المشاهد عاطفة مماثلة لها في الفنان.
وإن تعريف العمل الفني يجب أن يسند على مقارنة واعية أو لا واعية بين الرسم والنحت والموسيقى لأن الموسيقى هي أول أنواع الفنون وأرقاها وكل الفنون تجنح نحو التشبه بها ومحاكاتها.وإن اللون والخط هما وسيلتا التعبير لدى الفنان التشكيلي ( عن العاطفة ) كما أن الموسيقى تعمل في الروح مباشرة, وهذه هي مهمة الشكل واللون عنده أن تهيء للتعبير عن ذات الفنان وتثير في ذات المشاهدنفس العواطف . وبقدر ما ينسجم الشكل مع اللون يعبر عن العالم الداخلي .
أما الجمال فهو التعبير الناجح عن علاقة الحاجة الداخلية للإنسان بالمعنى التعبيري الذي يترجم هذه الحاجة, ونلاحظ إلى أي مدى يرتبط هذا التفكير بالإتجاه التعبيري في الفن الذي تأثر به ( كاندينسكي ) في فترة كتابة المقال وهو يمثل المرحلة الثانية من تفكيره . ويختم ( كاندينسكي ) دراسته هذه بالتفريق بين ثلاثة مصادر أساسية للإلهام الفني :
أولا : الإنطباع المباشر بالطبيعة الخارجية ويسمى هذا باسم ( انطباع ).
ثانيا: اللاشعور أو التعبير الغريزي عن الحاجة الداخلية أو العالم اللامادي ويطلق على هذا اسم ( ارتجالات ) .
ثالثا: التعبير عن مشاعر ذاتية بطيئة وشكلية وهذا ما يسمى ( التكوين ) والشعور يلعب دورا هاما هنا , لكن عملية التجميع لا تظهر .ان كادينسكي بعد عام 1921 لم يعد يؤمن بوجود صلة عضوية حتمية بين العمل الفني والشعور أي بين العالم الذاتي والرمز المعبر عنه بل هناك عملية مراسلة ونقل وهكذا تحرر الرمز من ارتباطه بالعاطفة واصبح كاندنيسكي يشك بالاحساسات ( الجسر ) وبدأ يفرق بين ( العواطف الكامنة في الإنسان وبين القيم الرمزية المعبرة( الخط- اللون- النقطة ) التي هي ليست شخصية واصبح الرسم عنده في المرحلة الأخيرة عبارةعن لغة معبرة عالمية كالرياضيات يعبر بها الإنسان بمقدار ما يملك من إمكانيات تقنية .
ثم أن إن التعبير يجب أن ( يفر مما هو شخصي وغير محدد ) وهذه هي الوسيلة الوحيدة التي تجعل الفن مجردا بالمعنى الصحيح أن يصبح كالأرقام الرياضية وكالأحرف لا يرتبط بأصله الذي استمد منه .
درس فاسيلي كاندنسكي الحقوق والاقتصاد ثم علّم المادة الأولى في جامعة موسكو الى ان قرر ان ينعطف عندما بلغ الثلاثين في 1896. يشاهد أكوام القش في لوحة لكلود مونيه وبهر بألوانها وتركيبها، وتكثف نداء الفن عندما حضر أوبرا «لوهنغرين» لريتشارد فاغنر. أحب العاطفة التي تثيرها الموسيقى فينا حتى من دون أن نعرف موضوعها، ورأى ان على الرسم ان يكون تجريدياً مثلها. درس في برلين وتأثر منذ البداية بالحركات الطليعية كالفوفية التي تصالحت مع حبه الفن الروسي الشعبي. بدأ يصور ما يراه بلطخ ومساحات زاهية ناعمة ثم تحول عن الشكل لتتخذ أعماله الصورة الهندسية الشهيرة بألوانها الخافتة. يتوقف المعرض عند الأعمال التي حققها في 1921 عندما نفر من عقلانية الفن الروسي واتهم بالفردية والبورجوازية. ترك بلاده من دون رجعة هذه المرة. أولاً الى برلين حيث علّم في مدرسة الباهاوس الجديدة للفن والحرف، ثم الى باريس حتى وفاته في 1944 عن ثمانية وسبعين عاماً.
هجس الرومنطيقيون في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بالموسيقى وحاولوا تخطي حدود سائر الفنون للاقتراب منها. رأى غوته الهندسة «موسيقى مجمدة»، وقال كاندنسكي انه يستطيع «سماع» الألوان. ثمة من يستطيعون رؤية الموسيقى وسماع اللون وحتى تذوق الكلمات نظراً الى تداخل خطوط في الدماغ. وكان الفيلسوف الانكليزي جون لوك أول من كتب عن «سينيثيزيا» أو الإحساس المتزامن في 1690 عندما ادعى رجل أعمى أنه يرى اللون القرمزي كلما سمع البوق. كاندنسكي سمع فحيحاً وهو يخلط ألوان الرسم وهو طفل، وعندما أصبح عازف فيولونسيل بارعاً رأى لون الآلة الأزرق العميق. «اللون وسيلة التأثير المباشر في الروح» قال أبو التجريديين في نصه «عن الروحي في الفن» وهدف في لوحاته الى خلق عاطفة في المشاهد. أسره الأطفال والفنانون الذين تعلموا على أنفسهم بتعبيرهم الساذج الصريح عن الحياة الداخلية، وعندما بدأ مرحلة الفارس الأزرق التقى فنانون من المسرح والموسيقى والرسم والفولكلور حول هدف واحد: التعبير عن القيم الروحية في عملهم.
ملأ اللوحة بالألوان الزاهية القوية التي غطت القماش كله ولم تترك فسحة فراغ واحدة ثم اعتمد هذا عندما اتجه نحو الأشكال الهندسية من دون أن يتخلى عن بحثه عن صوت اللوحة الداخلي. باتت الألوان أقل إشراقاً وكثر ظهور الأسود بخطوط رفيعة أو كتل ثقيلة. رسم عالماً على وشك الانهيار قبل الحرب العالمية الأولى، وعندما أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا في صيف 1914 كان عليه أن يترك صديقته غابرييل مونتر ويعود الى بلاده. لعب دوراً بارزاً في المؤسسات الفنية في النظام البولشفي، وباتت لوحاته أبسط شكلاً وأكثر حدة. على ان الطليعة الفنية الروسية رفضت روحانية كاندنسكي ورمته بتهمة مضحكة سيألفها القرن العشرون: فردي وبورجوازي.
يستمر معرض «موديلياني ونماذجه» في الأكاديمية الملكية، لندن، حتى منتصف تشرين الأول (اكتوبر) وتسيطر عليه النساء اللواتي أحبهن الفنان الإيطالي أو ارتبط بصداقة معهن. تواكب المعرض سيرة جديدة لجفري مايرز صدرت عن دار داكوورث تفصل مجدداً حياة الفنان الذي جعله موته في 1920 عن خمس وثلاثين سنة نجماً حلت أعماله فجأة في أعين الشارين. أتى من أسرة يهودية من الطبقة الوسطى العليا وقصد باريس عندما كان في الثانية والعشرين. ارتبط بنساء كثيرات بينهن جان ايبوترن التي انتحرت بعد وفاته والشاعرة الروسية آنا أخماتوفا.