فينسنت فان كوخ
اسم عظيمً في عالم الفن التشكيلي , فهو الفنان الذي استطاع أن يحظى باحترام و تقدير وإعجاب مؤرخي و نقاد و عشاق الفن التشكيلي في كافة أرجاء العالم.. مما جعل أعماله تحتل مكاناً بارزاً ومتميزاً في متاحف العديد من الدول، و لعل أشهرها متاحف موسكو و لينجراد .. وغيرها.
بالإضافة إلى تلك الشعبية العارمة التي يتمتع بها في كافة دول أوربا وأمريكا وكذلك دول العالم الثالث التي لا توجد فيها لغة واحدة لم ينشر بها كتاب أو أكثر عن ' فان جوخ' بغلاف الأفلام السينمائية والروائية والتسجيلية التي تناولت حياة هذا الفنان، و ربما هذا الشغف كان السبب الأول في استمرار نشر و استنساخ لوحاته. فمن هو هذا الفنان صاحب تلك الجماهيرية الواسعة؟ .. خلال الأسطر القادمة نحاول عرض لمحات سريعة من حياة 'فان جوخ' المليئة بالأحداث و المآسي التي أثرت بلا شك في فنه وربما كانت سبباً قوياً في شهرته.
ولد 'فان جوخ' في بلدة ' زونديت ' بهولندا عام 1853م لأب يعمل قسيساً بكنيسة البلدة، وهو الأب الذي زرع في أعماق هذا الصغير من خلال الجو الديني الصارم الذي أحاط بالأسرة مثلاً علياً ربما كانت تصطدم كثيراً جداً بالواقع طوال حياة ' فان جوخ'.
و عندما بلغ 'فان جوخ' السادسة عشرة من عمره أصطحبه عمه إلى مدينة 'لاهاي' ليعمل معه في القاعة التي يديرها والمتخصصة في بيع الأعمال الفنية سواء من الآثار القديمة أو من إنتاج الفنانين المعاصرين، وهي القاعة التي كانت تتبع مؤسسة 'جوبيل' الشهيرة والتي يقع مركزها الرئيسي بباريس. و من خلال هذا العمل تعرف فان جوخ على عالم الفن وتحمس لبعض الأعمال ولبعض الفنانين، و لهذا بذل جهده في إقناع عملائه بشراء أعمال هؤلاء الفنانين وبلغ من نجاحه أن قررت المؤسسة نقله إلى لندن ليدير فرعها هناك.
و استمر هذا النجاح الذي صاحبه اهتمام ' فان' بمظهره وأناقته الشخصية إلى أن أحب إحدى الفتيات وتدعي ' أرسيولا ' و لكنه عندما طلب منها الزواج هزأت به وصدته في خشونة شديدة مما جعله يصاب بما يشبه الهوس الديني، فبدلاً من أن يناقش العملاء عن جماليات اللوحات المعروضة بالقاعة التي يديرها أخذ يحثهم علي الدين.. مما جعل الشركة تنقله إلى باريس حيث تدهورت حالته النفسية وانطوى على نفسه وأصابته الكآبة ..و قبل أن تقرر الشركة فصله كان قد قدم استقالته عازماً على تكريس حياته للخدمة الدينية بعد أن اتجه إلى لندن ليعمل كمدرس للغة الفرنسية، و لكن جو لندن المظلم الكئيب و ذكريات جرحه العاطفي جعلت حالته النفسية تزداد سوءاً فعاد إلى هولندا حيث التحق بمعهد لاهوتي في 'أمستردام' و عكف على الدراسة الجادة ستة أشهر حتى أصابه الملل وقرر أن يعمل واعظاً بين عمال المناجم والفلاحين في إحدى قري بلجيكا حيث عايش المرضى بحمي التيفود وحاول تخفيف آلام الاحتضار عليهم، وسهر مع الفقراء و الجرحى، متخطياً بذلك الحدود المرسومة له كمبعوث ديني إلى نوع من الامتزاج والتوحد الكلي، حيث يقضي أيامه ولياليه بين هؤلاء لا يأكل إلا معهم ولا يخصص الوقت الكافي لراحته ونومه .. بل و وزع عليهم ملابسه وأغطيته وأصبح يعاني من البرد والجوع إلى الحد الذي جعل مظهره يتدهور .. مما زاد من تعلق هؤلاء العمال به حتى طردته السلطات الدينية قبل أن يمر عام واحد على تسلمه لهذا العمل، و ذلك لعدم اقتناعهم بطريقته في تطبيق التعاليم المسيحية على هذا النحو.
و هو الأمر الذي زاد من أزمته النفسية حيث شعر بالفشل في كل ما أسند أليه من أعمال بجانب فشله في حبه، ولكنه قرر ألا يستسلم.. فما لبث أن كتب لأخيه ' تيو ' ليقول له ' أنني بالرغم من كل شيء سوف أنهض ثانية .. سوف أتناول من جديد ريشتي التي تخليت عنها في أيام انكساري، و سأعود للرسم ، و الآن يبدو لي كل شيء و قد تغير' .
و منذ ذلك الحين آمن ' تيو 'بأخيه فان جوخ وسنح له الفرصة ليخرج أعظم الأعمال الفنية .. حيث لم ينقطع تيو طيلة السنوات العشر التالية عن بذل المعونة المالية لأخيه و تشجيعه و مساعدته بكل ما استطاع توفيره من دخله المتواضع .. و ببلوغ ' فان جوخ ' السابعة والعشرين من عمره التحق بأكاديمية الفنون في مدينة ' انفري ' حيث بدأ حياته في عالم الألوان.
عكف على رسم الفلاحين الهولنديين و عمال المناجم والبؤساء مسجلاً ما نقش في مخيلته من ذكريات في مجموعة من اللوحات الحزينة القاتمة القوية التعبير و هي المرحلة التي يطلق عليها في فنه 'المرحلة الهولندية' التي امتدت ما بين عامي 1854 ، 1855 و في العام التالي رحل ' فان جوخ' إلى باريس للإقامة مع أخيه في أستوديو بحي' مونمارتر' حيث كان أخوه تيو من تجار الصور المهتمين بتتبع الاتجاهات الحديثة في الفن، فقد كان مديراً لفرع إحدى المؤسسات الفنية.
هذا الفنان العبقري لم يكن يرسم كثيرا فقط ، بل كان يكتب أيضا بنفس الحرارة والتوهج كمًا هائلا من الرسائل والخواطر إلى شقيقه ( تيو ) والتي جُمعت في كتاب من ثلاثة مجلدات تضمنت آرائه في الرسم وفي النقد والمجتمع و المرأة وعن نفسه في اغلب الأحيان.
و سعد 'فان جوخ' كثيراً بصحبة أخيه بعد ما قاساه من وحشة وحرمان و كذلك سعد بحياته الجديدة في باريس .. فما لبث أن تغيرت ألوانه القاتمة و حلت محلها الألوان الزاهية البراقة التي ربما عكست رؤيته للحياة في تلك الفترة، والتي اتجه فيها إلى دراسة النظريات والأساليب الفنية الجديدة و مناقشتها مع أصحابها بل وتجربتها في لوحاته، كما تعرف خلال هذه الفترة على عدد من الفنانين الشباب ومنهم ' تولوزلوتريك' و ' بول جو جان'
[/size][/size]اسم عظيمً في عالم الفن التشكيلي , فهو الفنان الذي استطاع أن يحظى باحترام و تقدير وإعجاب مؤرخي و نقاد و عشاق الفن التشكيلي في كافة أرجاء العالم.. مما جعل أعماله تحتل مكاناً بارزاً ومتميزاً في متاحف العديد من الدول، و لعل أشهرها متاحف موسكو و لينجراد .. وغيرها.
بالإضافة إلى تلك الشعبية العارمة التي يتمتع بها في كافة دول أوربا وأمريكا وكذلك دول العالم الثالث التي لا توجد فيها لغة واحدة لم ينشر بها كتاب أو أكثر عن ' فان جوخ' بغلاف الأفلام السينمائية والروائية والتسجيلية التي تناولت حياة هذا الفنان، و ربما هذا الشغف كان السبب الأول في استمرار نشر و استنساخ لوحاته. فمن هو هذا الفنان صاحب تلك الجماهيرية الواسعة؟ .. خلال الأسطر القادمة نحاول عرض لمحات سريعة من حياة 'فان جوخ' المليئة بالأحداث و المآسي التي أثرت بلا شك في فنه وربما كانت سبباً قوياً في شهرته.
ولد 'فان جوخ' في بلدة ' زونديت ' بهولندا عام 1853م لأب يعمل قسيساً بكنيسة البلدة، وهو الأب الذي زرع في أعماق هذا الصغير من خلال الجو الديني الصارم الذي أحاط بالأسرة مثلاً علياً ربما كانت تصطدم كثيراً جداً بالواقع طوال حياة ' فان جوخ'.
و عندما بلغ 'فان جوخ' السادسة عشرة من عمره أصطحبه عمه إلى مدينة 'لاهاي' ليعمل معه في القاعة التي يديرها والمتخصصة في بيع الأعمال الفنية سواء من الآثار القديمة أو من إنتاج الفنانين المعاصرين، وهي القاعة التي كانت تتبع مؤسسة 'جوبيل' الشهيرة والتي يقع مركزها الرئيسي بباريس. و من خلال هذا العمل تعرف فان جوخ على عالم الفن وتحمس لبعض الأعمال ولبعض الفنانين، و لهذا بذل جهده في إقناع عملائه بشراء أعمال هؤلاء الفنانين وبلغ من نجاحه أن قررت المؤسسة نقله إلى لندن ليدير فرعها هناك.
و استمر هذا النجاح الذي صاحبه اهتمام ' فان' بمظهره وأناقته الشخصية إلى أن أحب إحدى الفتيات وتدعي ' أرسيولا ' و لكنه عندما طلب منها الزواج هزأت به وصدته في خشونة شديدة مما جعله يصاب بما يشبه الهوس الديني، فبدلاً من أن يناقش العملاء عن جماليات اللوحات المعروضة بالقاعة التي يديرها أخذ يحثهم علي الدين.. مما جعل الشركة تنقله إلى باريس حيث تدهورت حالته النفسية وانطوى على نفسه وأصابته الكآبة ..و قبل أن تقرر الشركة فصله كان قد قدم استقالته عازماً على تكريس حياته للخدمة الدينية بعد أن اتجه إلى لندن ليعمل كمدرس للغة الفرنسية، و لكن جو لندن المظلم الكئيب و ذكريات جرحه العاطفي جعلت حالته النفسية تزداد سوءاً فعاد إلى هولندا حيث التحق بمعهد لاهوتي في 'أمستردام' و عكف على الدراسة الجادة ستة أشهر حتى أصابه الملل وقرر أن يعمل واعظاً بين عمال المناجم والفلاحين في إحدى قري بلجيكا حيث عايش المرضى بحمي التيفود وحاول تخفيف آلام الاحتضار عليهم، وسهر مع الفقراء و الجرحى، متخطياً بذلك الحدود المرسومة له كمبعوث ديني إلى نوع من الامتزاج والتوحد الكلي، حيث يقضي أيامه ولياليه بين هؤلاء لا يأكل إلا معهم ولا يخصص الوقت الكافي لراحته ونومه .. بل و وزع عليهم ملابسه وأغطيته وأصبح يعاني من البرد والجوع إلى الحد الذي جعل مظهره يتدهور .. مما زاد من تعلق هؤلاء العمال به حتى طردته السلطات الدينية قبل أن يمر عام واحد على تسلمه لهذا العمل، و ذلك لعدم اقتناعهم بطريقته في تطبيق التعاليم المسيحية على هذا النحو.
و هو الأمر الذي زاد من أزمته النفسية حيث شعر بالفشل في كل ما أسند أليه من أعمال بجانب فشله في حبه، ولكنه قرر ألا يستسلم.. فما لبث أن كتب لأخيه ' تيو ' ليقول له ' أنني بالرغم من كل شيء سوف أنهض ثانية .. سوف أتناول من جديد ريشتي التي تخليت عنها في أيام انكساري، و سأعود للرسم ، و الآن يبدو لي كل شيء و قد تغير' .
و منذ ذلك الحين آمن ' تيو 'بأخيه فان جوخ وسنح له الفرصة ليخرج أعظم الأعمال الفنية .. حيث لم ينقطع تيو طيلة السنوات العشر التالية عن بذل المعونة المالية لأخيه و تشجيعه و مساعدته بكل ما استطاع توفيره من دخله المتواضع .. و ببلوغ ' فان جوخ ' السابعة والعشرين من عمره التحق بأكاديمية الفنون في مدينة ' انفري ' حيث بدأ حياته في عالم الألوان.
عكف على رسم الفلاحين الهولنديين و عمال المناجم والبؤساء مسجلاً ما نقش في مخيلته من ذكريات في مجموعة من اللوحات الحزينة القاتمة القوية التعبير و هي المرحلة التي يطلق عليها في فنه 'المرحلة الهولندية' التي امتدت ما بين عامي 1854 ، 1855 و في العام التالي رحل ' فان جوخ' إلى باريس للإقامة مع أخيه في أستوديو بحي' مونمارتر' حيث كان أخوه تيو من تجار الصور المهتمين بتتبع الاتجاهات الحديثة في الفن، فقد كان مديراً لفرع إحدى المؤسسات الفنية.
هذا الفنان العبقري لم يكن يرسم كثيرا فقط ، بل كان يكتب أيضا بنفس الحرارة والتوهج كمًا هائلا من الرسائل والخواطر إلى شقيقه ( تيو ) والتي جُمعت في كتاب من ثلاثة مجلدات تضمنت آرائه في الرسم وفي النقد والمجتمع و المرأة وعن نفسه في اغلب الأحيان.
و سعد 'فان جوخ' كثيراً بصحبة أخيه بعد ما قاساه من وحشة وحرمان و كذلك سعد بحياته الجديدة في باريس .. فما لبث أن تغيرت ألوانه القاتمة و حلت محلها الألوان الزاهية البراقة التي ربما عكست رؤيته للحياة في تلك الفترة، والتي اتجه فيها إلى دراسة النظريات والأساليب الفنية الجديدة و مناقشتها مع أصحابها بل وتجربتها في لوحاته، كما تعرف خلال هذه الفترة على عدد من الفنانين الشباب ومنهم ' تولوزلوتريك' و ' بول جو جان'
عدل سابقا من قبل الحمزاوي في السبت فبراير 06, 2010 5:46 pm عدل 1 مرات (السبب : تعديل)